المهندس المدنى |
مازلت أتذكر مقولة أحد الدكاترة الذي أفتخر بأني كنت تلميذه (د/ سمير إمبابي) حين قال ” لا ينفع مهندس ليس عنده حس هندسي ” والحس الهندسي هو كيفيه تحويل مشكله ما إلى مسألة حسابية يمكن التعامل معها هندسيا (بالقياس ثم تطبيق المعادلات ) وسنوضح ذلك بحادثة مشهورة حدثت في القاهرة في الستينات إلا وهي كارثة سقوط أوتوبيس النقل العام بركابه عند محاولته تفادى الاصطدام بسيارة أخرى وحولت القضية إلى كلية الهندسة بجامعة القاهرة للتحقيق في أسباب الحادث , ( وهذه مشكله مطلوب الوصول إلى أسبابها ) وتم انتشال الأتوبيس وقامت اللجنة الفنية بفحص الأتوبيس بدقه (المعاينة والقياس ) فتبين بعض الفحص الهندسي أن سبب سقوط الأتوبيس في نهر النيل هو أن عامود الدوران إلى اليمين والشمال المتصل بعجلة القيادة قد انكسر لتآكله ونتج ذلك من زيادة وزن الركاب (وصل عدد الركاب إلى 100 راكب – وحمولة الأتوبيس خمسين راكب فقط ) وعليه تضاعفت كمية الحركة ( الوزن الإجمالي × مربع السرعة ) ومن الأشياء التي ساعدت على زيادة طاقة الحركة هو ميل الشارع في اتجاه النيل وعندما حاول السائق الرجوع إلى الشارع لم تتحمل أذرعه العجل قوة الوزن الزائد فأنكسر ولم يفلح السائق في استخدام الفرامل واستمر الأتوبيس في الحركة تجاه النيل ( يبعد 2 متر فقط من الطريق وبعده هاوية للنيل ) وقابل سور الكورنيش فلم يمنعه لان طاقه الحركة للأتوبيس كانت جبارة كما ذكرنا لم يقاومها السور الضعيف ( ارتفاعه 120 سم وارتفاع الأتوبيس أكثر من 2 متر ) ولم يتحمل قوة اندفاع الأتوبيس بالوزن الزائد واُكتشف أثناء الفحص الفني أن عملية الصيانة والتشحيم كانت شبه منعدمة فتآكل العامود في نقطة الكسر بدرجة كبيرة ( كان قطر العامود عند نقطة الكسر أقل بكثير من قطر العامود الأصلي فتركز عليها الحمل ) ( وزن الأتوبيس 3 طن + وزن الركاب 100 × 80 كجم ) مع سرعة الباص ( 50 كم /س تقريبا ) على نقطه ضعف وقطر أصغر من المصمم فحدث الكسر
ولنضرب مثلا ابسط لتوضيح كيف يعمل الحس الهندسي في المسائل السهلة طُلب إلى مهندس حساب إنتاج مصنع في اليوم, وكان أول ما يتبادر إلى الذهن هو الحساب الظاهري ولكن المهندس الذي يتمتع بحس هندسي قوى يفرق بين الحساب الظاهري والقياس الواقعي فيقوم أولا بحساب الداخل الحقيقي للعملية الإنتاجية والناتج الحقيقي لهذه العملية. ثم عدد العمال الحقيقيين أي المتواجدين خلال فتره العمل اليومي باستمرار وكيف يمر يومهم (تحضير للعمل كذا ساعة وإنتاج كذا ساعة وطعام وشاي كذا وراحة وصلاه كذا والاستعداد للخروج من العمل كذا وقت ) بالإضافة إلى متوسط حضور العمال خلال شهر. ثم ينتقل إلى الاستهلاك الحقيقي والفعلي لمواد الإنتاج والمواد المساعدة والكهرباء والوقود والماء وكميتهم المستهلكة (خلال شهر ). ثم ينتقل إلى عطلات الصيانة وتحديد وقت العمل الفعلي للماكينات وعدد الماكينات المنتجة فعلا وكم إنتاجها الفعلي اليومي ثم يخرج بمجموعه متوسطات
عدد العمال ( المتوسط ) اليومي = عامل
عدد ساعات العمل الإنتاجية اليومية ( متوسط ) = ساعة /عامل
عدد الماكينات المنتجة فعلا = ماكينة
إنتاجيه الماكينة المتوسطه = كم/يوم
ويتم تحديد هذه البيانات بواسطة المهندس نفسه وبمجهود شخصي دقيق ودأوب . ولقد كان السؤال بسيطا في ظاهرة ولكن لتحويله إلى مسالة قياس واقعية يقوم المهندس بعمل مستمر لفترة تتراوح بين ثلاث أسابيع وشهر ولا يركن أبدا إلى الحساب النظري بل ويستخدم ما أمكن من أجهزه القياس والتسجيل للخروج بإجابة السؤال الحقيقي.
إذن فالحس الهندسي هو ألقدره على معاينه وقياس وتحليل مسألة فنيه أو مشكله واقعية ثم ترجمه هذا القياس أو التحليل إلى مسألة حسابيه يمكن التعامل معها هندسيا.